28 - 06 - 2024

من المشهد الأسبوعي: مستقبل التعليم في خطر| التجريبيات بين الازدهار والانهيار (تحقيق)

من المشهد الأسبوعي: مستقبل التعليم في خطر| التجريبيات بين الازدهار والانهيار (تحقيق)

- هل أحالت الوزارة "زهران" إلى النيابة العامة لمطالبته بحقوق المعلمين.
- ولي أمر يعترض على ترك مدير مدرسة لابنه ينزف؛ فيتم تحرير محضر شرطة له، ويشوه على صفحات الفيس بوك.
- لماذا أنشأ حسين كامل بهاء الدين التجريبيات؟ وما مشكلاتها؟ وهل يستخدم قرار 285 بالمزاج؟
- ما مدارس المستقبل؟ ولماذا انهارت بعد بداية مبشرة؟
- ما الحلول المقترحة لمواجهة انهيار التعليم في قطاع التجريبيات؟

فجرت أولى مقالات التعليم في صحيفتنا ردود فعل متباينة، فقد قامت صفحات المعلمين على الفيس بوك بتداوله، وتعالت صيحات المعلمين وأولياء الأمور مطالبة الوزارة بالتحرك لحماية التعليم المصري من الانهيار بناء على عدم إصلاح أحوال المعلمين المالية (موضوعنا الأول كان عن مطالبة المعلمين بجعل أجورهم على أساسي عام 2019 لأنهم وللعجب يقبضونها على أساسي 2014) وطلبًا لحماية الطلاب وأولياء أمورهم من مديرين صاروا حيتان فساد (نداء لوزير التعليم: صار الفساد طريق الترقي وفيه نشرنا حلقة من خمس عن فساد أحد المديرين بدءًا من تكليفه بالإدارة ومرورًا بأداءته وجزاءاته من كل الدرجات؛ الإدارة التعليمية، والمديرية، والنيابة الإدارية).

لسخرية القدر فإن الوزارة حين تحركت قام بعض مسؤوليها بشكوى الدكتور محمد زهران أحد زعماء المعلمين في مطالبهم، وتحويله للنيابة العامة ما أدى إلى استنفار جماعي للمعلمين الذين سارعوا إلى المعلم، وقاموا بتسديد كفالته.. 

أما المقال الثاني فلم يحرك أحد من الوزارة ساكنًا، بل قام المذكور بأخذ إجازة يومين ليريح أعصابه من ضغط العملية التعليمية، وقد أرسلت لنا عدة أطراف بمستندات جديدة منها جزاءات حصل عليها المذكور لمخالفات جعلت النيابة الإدارية توقعها، وسنوالي نشرها في حلقات قادمة لكن..

في هذا العدد سنكمل معكم من خلال نظرة طائر على المدارس التجريبية والرسمية المميزة، وفي الأعداد القادمة سنكمل ملفاتنا..

التجريبية بين التطور  والانحدار

في مطلع الألفية الثالثة ظهرت مدارس المستقبل، وهي جيل متطور من المدارس التجريبية؛ التي أنشأها حسين كامل بهاء الدين في العقد الأخير من القرن العشرين؛ طمعًا في تقديم خدمة تعليمية مميزة، وتقديم خدمة تنافسية أمام المدارس الخاصة لغات، وهذا هو الشق المعلن، أما الجزء الخفي فكان إيجاد بيئة وطنية في مقابل النظام التعليمي "المتأسلم" الذي تقدمه كثير من المدارس الخاصة التي كونت ما يشبه الاتحاد (بعد يونيه 2013 تم وضع كثير من هذه المدارس تحت سيطرة مباشرة لوزارة التعليم فيما عُرف بمدارس 30 يونيه) ولم تقدم هذه المدارس مناهج تخص التيارات الإسلامية، وإنما تجلى هذا في نظام العمل الذي يقوم غالبًا على الفصل بين الطلاب والطالبات منذ مرحلة رياض الأطفال، وهو ما أصرت على عدم تحقيقه المدارس التجريبية والتجريبية المتكاملة التي عرفت أولا باسم المستقبل.

عناصر التميز في التجريبيات

المدارس التجريبية قامت على عنصرين أساسيين لم يكونا متوفرين في المدارس الحكومية:

  1. اللغة الإنجليزية كمستوى رفيع (والمنهج يعتمد على كتاب مدرسي ذي موضوعات متعددة، وكتاب ذي موضوع واحد)، وحين تم تعميم تدريس اللغة الإنجليزية على مستوى التعليم الابتدائي، أصبح طالب هذه المدارس يدرس اللغة الإنجليزية مرتين، ويدرس لغة ثانية (فرنسي – ألماني – إيطالي) مع دخوله للمرحلة الإعدادية، وهناك عدد محدود من هذه المدارس تستبدل باللغة الإنجليزية اللغة الفرنسية. وحين يصل الطالب للصف الثالث الثانوي لا يدرس المستوى الرفيع.
  2. تدريس مادتي الرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية (أو الفرنسية) ويدخل امتحان الثانوية العامة باللغة الإنجليزية (أو الفرنسية) ويحق له بعد تعهد ولي الأمر أن يدخل امتحان المادتين باللغة العربية (ولم ينفذ هذا تقريبًا).

مشكلات التجريبيات

وجدت هناك مجموعة من المشكلات التي كان يجب الاهتمام بعلاجها، لكنها تركت حتى تفاقمت:

  • الطالب حين يذهب للجامعة يكتشف أن المواد  العلمية التي سيدرسها باللغة العربية في كثير من الأحايين، وقد عالجت وزارة التعليم العالي لاحقًا هذا باستحداث أقسام تدرس باللغة الإنجليزية، وصاحبة السبق في هذا كانت جامعة عين شمس، ولا عجب فمقر الجامعة يعتبر مركزًا للمدارس التجريبية التي تركزت في مدينة نصر ومصر الجديدة والوايلي وحدائق القبة.

أولا: المدارس شبه ممزقة بين إدارة التجريبيات التي تتبع المديرية (المنطقة) مباشرة، والإدارة التعليمية التي تتبعها كل مدرسة، وقد نتج عن هذا عدم القدرة على علاج كثير من المشكلات، بل وتولد عدة مشكلات ناتجة عن عدم وضوح الاختصاصات.

ثانيا - الكثافة التي بدأت في الزيادة تدريجيا، حتى وصل الحال إلى أن كثافة بعض المدارس التجريبية صارت أعلى من كثافة بعض المدارس الحكومية.

ب) المشكلة الرئيسية لم يحاول أحد أن يطرحها رغم أن اليونسكو وجه بناء على دراسات ميدانية متخصصة في مختلف بلدان العالم توصية بأن التدريس يكون باللغة الأم حتى يصل المتعلم إلى العاشرة، وحذر من أن تدريس لغة أجنبية  لأن ذلك سيؤدي إلى تشوش في إدراك المتعلم، ويصنع حاجزًا بين لغته؛ مكون هويته الأصيل، ومعارفها وقيمها.

  • المشكلة التي أدت إلى كوارث هي اقتصار مديري هذه المدارس على مدرسي اللغات أو المواد التي تُدرس باللغة الأولى للمدرسة، ومنع وجود مديرين من مواد أخرى (اللغة العربية، الدراسات الاجتماعية..) ما نتج عنه أمران؛ وجود مديرين بلا خبرة كبيرة، ولا مقومات قيادية، وحرمان قيادات لأنهم لا يدرسون اللغة الإنجليزية (المقدسة)، غير أن هناك بابًا خلفيًّا لأصحاب الحظوة، هو باب سد العجز والغريب أن من يستفيدون منه هم من لم يدرسوا في المدارس التجريبية بل هبطوا بالباراشوت على الإدارة أو الوكالة.
  • ضعف إعداد المعلمين؛ فقد بدأت الوزارة بإرسالهم إلى بعثات، ثم اكتفت بتدريب مطول، ثم أصبح التدريب لمدة أسبوعين كافيًا!!!

ظهور المستقبل وبوادر النجاح المجهضة

أطلقت مدارس المستقبل مطورة عدة أمور أولها؛ أن المادة الثانية (مستوى رفيع) تدرس من الصف الرابع الابتدائي، وأن هناك حصتين للأنشطة يتم فيهما تنفيذ الأنشطة مدعومة ماليًّا بشكل شبه مستقل.

هكذا بدأت أولى مدارس المستقبل (المستقبل المتكاملة للغات بإدارة شرق مدينة نصر في شارع يوسف عباس) ولمدة أربع سنوات تجربة يتم دراستها للتوسع فيها، وقد بلغ نجاح هذه التجربة قدرًا جيدًا؛ لعدة أسباب منها:

  1. وجود نسبة من المصروفات يحق للمدرسة التصرف فيها لممارسة الأنشطة، وتجهيز الفصول، والقيام بخدمات الصيانة الدورية.
  2. إحكام الكثافة؛ فلم تزد حتى 2010 عن 28 طالبًا، يكفي أن تعلم أن هذه المدرسة قبلت في ظل قيادتها الحالية 181 طالبًا محولا هذا العام فقط!!!
  3. اختيار قيادات مميزة ذات تاريخ كبير؛ فذروة المدرسة جاءت مع أميمة هيكل (2003 : 2009) تقريبًا؛ إذ أصبح للمدرس فريق كورال يعرض حفلاته بالأوبرا المصرية، وفريق فني يفوز بجوائز دولية، هذا غير زيارات الوفود التعليمية الأجنبية لهذه المدرسة، أما الآن فحدث ولا حرج!!
  4. التنمية المستدامة لمعلمي هذه المدرسة على هيئة تدريبات تنشيطية داخلية، واشتراك معلمي المواد التي تدرس باللغة الإنجليزية في بعثات خارج مصر.
  5. حداثة مرافق المدرسة، ومواكبتها للتطور العالمي (السبورات الذكية – وجود معمل لكل مادة تستلزم ذلك – الاهتمام بالتربية الفنية والرياضية والموسيقية) ولتعرف الفرق فقد كان لهذه المدرسة فريق موسيقى وكورال قد عروضه في الأوبرا، أما الآن فلا شيء..

لماذا تراجعت مدارس المستقبل؟

بدأت وزارة التعليم في التوسع الذي ظهر في البداية أنه محسوب بدقة؛ وبدأ ظهور المدارس في المحافظات.. لكن بدأت الأزمة تتفاقم:

  1. سارت المستقبليات على نمط التجريبيات نفسه في اختيار القيادات، ومع التوسع عادت المشكلات ذاتها بشكل أكثر كارثية، ويكفي أن تزور المدرسة الأم فتجد أن مديرها هو صاحب المركز الأول في جزاءات الفساد المالي والإداري، وأنه يذهب يومين على الأقل أسبوعيا للنيابة الإدارية؛ علاوة على أنه لم يدرس ساعة واحدة في مدرسة تجريبية قبل توليه الإدارة وهو ما يخالف نص قرار 285.
  2. تم حرمان المدارس من نسبة الأنشطة، كما  تم توجيه المصروفات كاملة إلى وزارة المالية (من 2012 صدر هذا القرار) ما خلق سلسلة من المشكلات المتوالدة (تهالك المرافق –عدم وجود أنشطة - .. إلخ) لكن الكارثة كانت في أن المدير أمامه أمران:
  3. ترك المدرسة بلا تجديد أو أنشطة، أو صيانة.
  4. الموافقة على قبول (مبالغ مالية وديسكات وحواسب وسبورات ومراوح... إلخ) وهنا تستشري الرشوة لقبول الطلبة، تحت اسم المشاركة الاجتماعية، أو التبرعات، ولوجود الدافع وغياب الرادع، تبلغ الرشوة مستوى غير مسبوق، وتنتشر الإشاعات بأن الراغب في إدارة مدرسة كذا عليه أن يدفع مبلغًا للوصول لرغبته، ومبلغًا سنويًّا للاستمرار فيه، ويمكن للمهتم التوجه إلى أي جهة تحقيق ليفاجأ بكم الشكاوى في هذا الصدد، إضافة إلى تطور تحايل المديرين على الإدارات المالية؛ فتجد مديرًا يكلف من طرف خفي مجلس الأمناء بجمع تبرعات ويوجهها لأعمال الصيانة، ثم يقوم بعمل فواتير حكومية فيحصل المبلغ لنفسه!!!
  5. زادت الكثافة لتصل إلى أربعين طالبًا وأكثر (ولا يمكن أن نقول إن لدينا مدارس بها كثافة 120) لأن ولي الأمر يدفع في هذه المدارس ألفي جنيه وأكثر، وإما أن توحد المصروفات، أو تظهر الفروق الطفيفة، والأصل أن يقاس على الصواب لا الخطأ؛ فلا تزيد الكثافة عامة عن 25 طالبًا، ولهذا حلول معروفة لم يتم اللجوء لأبسطها (أي توسع عمراني أهلي أو حكومي يضع في اعتباره الكثافة المتوقعة للسكان، ويتم تخصيص مساحة لمرافق حكومية (مدارس ووحدات صحية، مواقف أتوبيسات..) 

هكذا وصلنا إلى أن ولي الأمر يدفع ثمن خدمة لا تقدم له، وأن العملية التعليمية في هذه المدارس بالتبعية فقدت ركنيها؛ المالي والمادي اللذين يمثلان العمود الفقري لها.

الحلول المقترحة

دراسة أحوال المدارس التجريبية والرسمية المميزة (الاسم الجديد لمدارس المستقبل) من حيث:

  1. هل نحن بحاجة إلى مدارس من هذا النوع؟ وإن كنا بحاجة إليها؛ فلماذا لا يطبق قرار إنشائها بمواده كاملة 285؟ ولماذا لم تحدث مراجعة لمواد هذا القرار بناء على الواقع، وتطوراته؟
  2. دراسة وضع هذه المدارس وجعلها على نمط واحد، يفضل الاستئناس بتوجيهات اليونسكو والجهات المختصة.
  3. إعادة المبالغ المخصصة للأنشطة والصيانة إلى مخصص الإدارة، وتوضيح آلية استفادة المدرسة منه، ومراقبة لك.
  4. قبول الطلاب يكون من خلال الإدارة التعليمية بناء على ضوابط محددة، ومنع مديري المدارس من التدخل في هذا الصدد.
  5. إعادة تكليف مديري المدارس التجريبية لاستبعاد المكلفين من الأبواب الخلفية، ووجود وحدة خاصة لمتابعة أدائهم، مع تغييرهم كل مدة، بناء على تقارير كفاءة (حقيقية).

جرس إنذار ودعوة لحوار

كل تصريح صادر من ديوان الوزارة يتحدث عن المؤامرة، والسعي الدؤوب من جهات غير معلومة لهدم العملية التعليمية.. وها نحن نمد أيدينا بدعوة لعمل مؤسسي يقل معه الفساد والتآمر، ونفتح حوارًا مجتمعيًّا وأكاديميًّا للخروج من أزمة التعليم.. وننتظر من وزارة التعليم أن تتحرك لإصلاح يرغبه الجميع.. وندعو المعلمين وأولياء الأمور إلى الاشتراك معنا من خلال مراسلتنا عبر هذا البريد: [email protected]
--------------

خطاب لوزير التعليم

يقول د. طارق إنه حفيد أحمد شوقي، ويقول أحمد شوقي:

قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا

لا تشكيك في نياتك أيها الوزير، ولا في إجراءاتك،لكن ما ثبت فعليا أن أي إصلاح لا يضع مصالح المعلمين في المقدمة فهو معرض للفشل الذريع، ولن ننقل تصريحات وزارية أثارت سخط المعلمين، لكننا سنسأل سؤالين مباشرين:

  1. ماذا فعلت يا سيادة الوزير من أجل أن يحصل المعلمون على أجرهم وفق أساسي 2019 كما يحدث مع كل موظفي الدولة؟ أحلت د. محمد زهران للنيابة العامة؛ فتحرك المعلمون في شبه مظاهرة غير مسبوقة، وأصبح زهران – وهذا حقه - بطلا للمعلمين.
  2. ماذا فعلت في ملف فساد تعيين المديرين الذي وصل إلى ذروته ونشرنا هنا ملفا عنه؟ لم تحرك الوزارة ساكنًا.. فزاد التقاعس.. لدرجة أن مدير المدرسة الذي تحدثنا عنه كنموذج ترك طالبا ينزف دون اتخاذ أي إجراء لأنه مشغول بجلسة مع بعض أولياء الأمور؛ ما جعل الطالب (الطفل) يتصل بوالده مستنجدا، وحين حضر ولي الأمر ودخل على المدير، استمر التعامل باستخفاف فثار ولي الأمر، وهنا تم تحرير محضر له من قبل أحد الجالسين في مكتب المدير، ويتم تشويه ولي الأمر من قبل الصفحات الموالية للمدير  الذي ترك المدرسة، وأخذ اليومين التاليين إجازة (في ذروة العام الدراسي).

هذا الموقفان الصغيران جدًّا ألا يجعلانك يا معالي الوزير تعيد تقييم الأمور؟ 

ننتظر منك أن تتذكر قول شوقي:

يا أرض مذ فقد المعلم نفسه ... بين الشموس وبين شرقك حيلا

ننتظر إصلاحًا يبدأ بالمعلم، ويستبعد الفاسدين

فهل هذا كثير؟
-----------------------
تحقيق: موسى منصور







اعلان